لم يبق مني الا نبضات قلبي ومحاولات ضحكات ترتطم بزوايا غرفتي. يمرّ الناس ويتعجبون من امر من كان يقطن الغرفة. من أمري أنا. وتزيد ضحكاتي عندما لا يفهمون. يمرّون دوماً ولا يكترثون بأكثر من فكرة عن ساكن الغرفة الزائل. فهم لهم ضحكاتهم التي ستبقى ولهم نبضاتهم التي سيتردد صداها في غرفة ما.
أحاول الخروج لأشرح لهم. أحاول الهرب من جدران عزلتي وأفشل. أستسلم، استكين، وارقد في قعر الغرفة هامداً. أخطط للإنقضاض على احد الجدران. استجمع ضحكة من هنا ونبضة من هناك واندفع نحو الباب الخشبي المهترئ.
صلبٌ جدّاً هذا الخشب القديم، هذا الخشب اللعين. يحتجزني وجدران الغرفة الحجرية. قساوة هذا الجماد ووحشيته لا يدرك مداها سوى نبضاتي. لا تفلح محاولاتي ولا توسلاتي. استسلم، ثم انقضّ ثم استسلم. أتعب، فتتحول ضحكاتي الى نحيب. اتقمّص دور السجين. أبحث عن القضبان، حديدية سوداء. لا اجدها. اتقمّص دور الجثة، انتظر من سيهتم بدفني، انتظر من سيعلن نبأ وفاتي، وانتظر…
لا، أنا انتظر شخصاً آخر. انتظرها هي. انتظرُ من كنت في انتظارها زمناً، عقداً من العمر ولم تأتِ. أُدركُ حقيقتي الآن. أُدرك طول انتظاري وأدركُ انني ما زلتُ في انتظارها.
تعود من ذكرياتي صورة مضحكة لجسدٍ بالٍ كان في انتظار من يحب، ولم تأت. أضحك مجدداً، وترتطم ضحكاتي بإحدى الزوايا مجدداً.
استكين وأسترق السمع. خطواتٌ قادمة نحو جدران عزلتي. خطوات امرأة مترددة. أقتربُ بنبضاتي من الباب الخشبي البارد، لعلّ احدى هذه النبضات تصل الى مسامعها.
توقفَت الخطوات عند العتبة. أحسست بترددها. احسست بتراجعها ثم عزمها. يا لهذا الصمت، يا لهذا السكون الرهيب. اترقب الباب منتظراً ان يتحرك.
ظرفٌ ورقيٌ يندفع من تحت الباب. خطها مرسومٌ في وسطه. وتبتعد الخطوات ويبتعد صداها. تحترق ضحكاتي قهراً. تتقهقر نبضاتي وجعاً. لم تدخل ولا يد لدي لافتح الظرف وأقرأ.
ارتعدُ غضباً وأثورُ حنقاً. ماذا كتبَت؟ ماذا كتبَت؟ ضحكاتي عاجزة، ونبضاتي حائرة. ماذا كتبَت؟
…