قد تنسى، لكنك فعلًا لا تنسى.
قد تبهت الذكريات ويبقى أشدّها إيلامًا.
قد تنمحي التفاصيل ويرافقك إحساسك بها.
وقد تجف الدموع ويهطل عليك سيلٌ من الصرخات المكسورة.
ستنجح في اخفاء كل ما تريد، هناك، أمام جدارٍ يحبس خلفه نكتةً مقيتة وضحكة أُرغمتَ على نحرها على أطراف شفتيك. سيكسر ذاك الجدار بلونه الرمادي بريق ألوانك ويحوّل أبهاها إلى عتمة وسيخف وهج ضوءك شيئًا فشيئًا إلى أن ترى ذاك النفق وفي آخره بقعة ضوء باهت.
ستلجأ إلى سريرك، ستركع عند حافته، تضم يداك إلى بعضهما البعض وتُتمتم وتتلو على نفسك ما بقي من ذكريات سعيدة، لعلك تُشفى وتعود الى سابق عهدك.
ستمرُّ الأيام ويمضي الوقت وستخدعك ذاكرتك. وفي غمرة انشغالك ستبحث عن تلك الذكرى الأليمة ولن تجدها. ستسعد وتضحك وترمي بسلاحك بعيدًا وتنتشي بلحظات حياتك الى أن تغدرك ذاكرتك في ليلةٍ سوداء عندما تضيق أنفاسك وترى بقعًا صفراء لم تكن موجودة.
ستدرك أن النهاية قد حانت. لكنك مخطئ. إنها ذكرى لنهاية أوشكت أن تحدث. نهايةٌ انتهت لحظةَ اعتقدتَ أن ذاك النفس هو الأخير لك. نهايةٌ انتهت لحظة شعرتَ بنفخةٍ تعيد إليك الحياة وأنفاسك معها. أتذكُرُ تلك اللحظة؟ تلك النهاية؟
تلك اللحظة ستنتظرك عند سريرك وعلى وسادتك. ستجثم فوق صدرك وتدقّ حرقةً في حلقك. ستلازمك تلك الحرقة أيامًا وليالي طويلة قبل أن تريحك ذاكرتك وتُخلي سبيل بالك لحفنةٍ من الوقت.
ولكن احذر، إبقَ متيقظًا وأبقِ ذاكرتك منشغلةً بجديد التفاصيل، فهي عندما تسأم سترمي بك إلى الوراء وتُعيد إليك أقذر الذكريات وأقساها. وإن حصل ذلك وكان لها ما رمت فابكِ على نفسك وعلى سلامك الراحل. أنت هالكٌ في الدنيا وتائهٌ في زوايا ذكرياتٍ لن تفارقك مجددًا ما حييت.
حينها سأقول لك وداعًا… لقد كنت خير جليس لذكرياتك.