متاهة النهاية

في جوفي تعبٌ كثير، يوصلني إلى حدّ البكاء أحياناً. تعبٌ أنا من نفسي ومن شخصي وأفكاري. تعبٌ أنا من يأسي، حزني وضيق أنفاسي. في داخلي بركانٌ من غضبٍ وحزن، يثور ويفور ويلقي بحممه في قلبي الخامل.

في جوفي سهرٌ كثير، قلقٌ عنيد وعنفٌ عميق. عنيفٌ أنا مع نفسي، ألومها على كل شيءٍ في كل شيء. قلِقٌ أنا على نفسي، على عقلي وعلى اتّزاني. في داخلي سأمٌ وسقمٌ وضياعٌ وفقدان.

تكمّل عيناي هالتان سوداوان كإطارٍ أسود ينبؤني بأن كلُّ ما سأراه سيتّشحُ بالسواد. في رأسي وحعٌ يقتلني كل يومٍ بعدد ما مرَّ في حياتي من أيّام.

في نفسي وجع، يقتلني ببطء ويمحو آثار خطواتي في كل طريق. وجعي يخيفني، يواريني عن الأنظار، يضنيني ويدقُّ المسامير في أطرافي.

سئم الفرحُ مني ومن انهزامي لعدوّه. سئم اللهو مني فبتُّ هامدًا جامدًا لا أقوى على حراك.

أشعرُ أَنِّي أذوب في صمت. أندمجُ مع اللحظات لأختفي أكثر. أختفت البدايات ولاحت في أُفقي النهايات. نهاياتٌ لا أعرفُ طبيعتها ولا أعرفُ ما سبقها سوى أنها نهايات. نهاياتٌ ومتاهات، أدورُ بها لأصل اليها. لا زلتُ أشعرُ باقتراب نهايتي ولكن الحطام الذي انا هو الآن قد يكون النهاية.

إهداء

هل كنتُ أحلم أَنّي غفوتُ بين ذراعيك؟ هل كنتُ أحلم أَنّي وجدتُ الدفء في تنهيداتك؟ هل كنتُ أحلم أنّ الدنيا ومشاغلها أعتقاني وأنا محميٌّ داخل حدود عينيك؟

لم أعد أعرف التفريق بين الواقع والخيال معك. نسيتُ طعم الوحدة ونسيتُ إسمي بين كلماتِك. فقدَتْ بوصلتي وجهتها عندما وصلتُ إليك. وضللتُ كلَّ طريقٍ سلكته بعيدًا عنك.

بعيدٌ عنك، وحدتي حالكة.

بعيدٌ عنك، أضوائي خافتة.

بعيدٌ عنك، ألواني باهتة.

ومعك، أنا قوةٌ استغنت عن القتال.

نسيتُ إسمي بين كلماتك، أضعته بين الأسامي التي تنادي لي بها. دفنتُ هويتي في جيوبك وأقفلتُ على جواز سفري بين ثنايا قلبك.

أنتفضُ لوعةً عند هجرانك. وأعتصرُ الدمع فرحاً بعودتك. أتوقُ إلى لُقياك ولا أعترف. أهيمُ ظمآناً لسماع صوتك ولا أتّصل. كيف لي أن أعترف أنّي لك، منك أرحل وإليك أعود؟

كيف لي أن أتيقّن أنّك لن ترحل وأنا أعدُّ الخطى المنتاقصة إليك دوماً؟ كيف لي أن أرحل وأنت كل حياتي؟ خيالي يغتني بك ويبدأ بك وينتهي معك.

يا من أحبّ، إنتظر. فطريقك ستسلكها، وأنا معك.

في مثل هذا الوقت

في مثل هذا الوقت، أشتاق إلى نفسي.في مثل هذا الوقت، أرثي ما تبقّى من عنفواني.

وفي مثل هذا الوقت، أحنُّ الى ما انهدم من أمجادي.

ليس للحياة وقتٌ محدد، بل للحياةِ حياةٌ تسير بتوقيتها الخاص. توقيتٌ مُغايرٌ لما نعرفه من الدقائق والسّاعات.

للحياة لحظات، أحداث، تواريخ، ضحكات وأحزان. للحياة لحظات نحصيها بها. 

في مثل هذا الوقت، أقيس طول الضحكات في حياتي.

في مثل هذا الوقت، أعدّ الدموع التي ذرفتُها في سُباتي.

وفي مثل هذا الوقت، أنتقل الى بُعدٍ آخر، أرتشف منها ما حُرمتُ من ملذّاتي.

ليس للملذّات طبعٌ معيّن، بل للملذات طعمٌ يبقى في الحلق طول الحياة. طعمٌ يحرق مكانه عند الفقدان. للملذات طعمٌ يحفر في القلب شوقاً، وجعاً، صراخاً وصمت. للملذات خنادقٌ لا نعرف الفرار منها. 

في مثل هذا الوقت، أكتب رسائل الحب لنفسي.

في مثل هذا الوقت، أمتنع عن الإحساس بما يُفرحني.

وفي مثل هذا الوقت، أكسرُ ما بقي من نقاء ريائي. 

سحر المغيب

عند المغيب ترقص خيالاتي، تخطُّ حدودها بين الألوان الذائبة وترسم انفعالاتها وانعكاساتها. 

عند المغيب تُطلق همساتي صراخها، تُتمتم تعويذاتها وتلقي بسحرها على أناملي.

عند المغيب تتحركُ أقلامي، تنساب بين ثنايا الصفحات والخطوط، وأكتب.

أكتب ما يجود به فكري وما يلفظه تحفّظي وأجدُ ذاتي. أُقنع نفسي بأنّي أسكبُ من نفسي على أوراقي المتهالكة.

أُقنعُ نفسي بحقيقة لا أدري من أين أتيتُ بها ولكنها تناسب مقاس مآسيّ. وأقنعُ نفسي بزيف كلماتي وقناع تنهداتي. 

أمضي كتابةً وأقطع البحور خيالاً وأهيم عند حدود البحر غيرُ عابئٍ بالسماء. 

خط الأُفق مساري، نقطتان لا تعرف الإلتقاء. مسارٌ لا يعرف الإلتفاف، قواعده هائجة لا تعرفُ الثبات وسقفه فراغٌ لا يعرف الإمتلاء.

لستُ أدري من أنا. نسيتُ ما كنتُه يوماً وتجاهلت ما أنا عليه اليوم. كما سأغضُّ بصري عمّا سأصبحُ عليه غدًا. 

لحظاتي متقطّعة، تختنق مع الخطوات وتلفظ أنفاسها عند نهاية كل سطرٍ وقبل كل نقطة. 

زيفُ كلماتي ساحر، وقعُ المعاني يهدر، يلمع ويأسر، كما سحر المغيب. 

سأختفي

أكتبُ بضع كلماتٍ ثم أمحوها. أخطُّ بعض السطور وأُرسلها بعيداً عن أوراقي. ضائعٌ أنا بين كلماتي ومشاعري. ضائعٌ أنا بين اليأس وبعض الأحزان. 

أعيش النكران كيف ما كان، وأُقنعُ نفسي بابتسامةٍ رمى الواقع عليها غبار الإنعدام. تقاطع انسياب أفكاري أحاديث من حولي. يضجّ داخلي بصدى النظرات المتجهة لي. 

وأهرب من نفسي قبل هروب الآخرين منّي. أهرب من مللي، من تأفّفي ومن ضيق الهواء في صدري. 

سأعيد ما أخذته من هذه الدنيا الى هذه الدنيا. سأرمي ما تعلّمته وراء ظهري وأنطلق. سأنطلق الى حياة جديدة، باحثاً عن ملل جديد، عن حزنٍ جديد وعن قلق جديد.

لم أعد أُريد هذه الحياة البائسة. سئمت محيطي وسئم محيطي منّي. 

أصرخُ بيني وبين نفسي طالباً النجدة ولا ألبّي نداء نفسي. سئمتُ نفسي وكل الزوايا القابعة في عتمتي. مللتُ صمتي وصراخي وكل ما تجود به شفاهي. 

سأختفي. سأختفي شيئاً فشيئاً، رويداً رويداً الى أن ينمحي أثري. 

سألتحم مع الفراغ، أندمجُ مع السكون وأنضم الى ركود أحداثي.

سأختفي.  

فنجان ونسيان

لم أعد أذكر من يقطن ذاك البيت. نسيت عدد زياراتي المتكررة الى الناصية المواجِهة ونسيت سبب احتمالي للطريق العفنة، المجاورة لذاك البيت. أذكرُ خيالات لمحتها في مضى خلف احدى النوافذ. وأذكر موسيقى تراقصت أصداؤها في أرجاء إحدى ردهاته. ولكن، نسيت من يقطن ذاك البيت. نسيت أسبابي ونسيت نفسي هناك، عند عتبته. نسيت رصانتي واعتدال أفكاري خلف نوافذه. وبقيتُ أنا، أنا. وهم يسرح في الطرقات، يبحث عن بيتٍ جديد. يبحثُ عن بيتٍ يستضيف سكّاناً جدد. وبقيتُ أنا، نفسه الذي كان يعشق نافذةً وإطلالة. بقيتُ أنا، نفسه الذي لهث خلف إزاحة ستارة. ونسيت.

نسيت ما يربطني بكل شيء. نسيت ما يُنفرني من كل شيء. ونسيت أصل مشاعري وبعض أجزاء كياني. 

تغيّرتْ. تغيّرتُ وتاهت منّي طريق العودة. تغيّرت وضاعت بوصلة قلمي وكلماتي. ثم تبدّلت، تحوّلت وتبدّدت. ليس من ضمن أمانيّ ما يخص العودة. ما زلتُ مهاجراً من نفسي وإلى نفسي. تمضي أيامي بين سوادٍ وسواد. وتضيع أحلامي بين وهم وسراب. 

فنجانُ قهوةٍ أنا. لذّتي ذابت بما طغت عليه مرارتي. قسوتي انغمست في “تفلٍ” حالك الطعم والطّبع. وكياني، كياني ضاع بما تبخّر من حرارة الإشتياق. 

فنجان قهوةٍ أنا. 

مرّ.

حزين.

لذيذ.

ثقيل.

سريع.

وصغير. 

زوال

هجرتني الأحرف والكلمات، هجرتني دفاتري وأقلامي، فقدت خريطة مكاني، وتعثّرَتْ وجهتي في الحياة.

صفّقتُ لقرع طبول وحدتي، ثم رقصتُ على أنغام حزني… رقصة بطيئة.

أطربتني أحزاني وأعادت لي الإحساس بالمكان.

آثرتُ الصمت ولوعة الوحدة.

ألفتُ الظلام وانعدام الألوان.

ضحكاتي تلوّنت حزناً ملأ أعماقي.

استكنتُ للرياح، صوتها عالٍ ناسبَ صمتي.

تعوّدت نحيب الذئاب، لوعتها طابت لأرقي.

أحببتُ بزوغ الفجر، ففيه بداية العذاب.

حطامٌ أنا، رُكن على حافّة هاوية.

حطامٌ أنا، مُلقى بإهمال تتآكله خبايا الحياة وحيلها.

حطامٌ إنا، أنتظرُ النهاية، ولم تأتِ بعدُ البداية.

يكفي أن تشعر بالبرد

تحت قطرات المطر أنتفض وأرتعش. أركض نحو الناصية تاركاً خلفي سيل أمطارٍ يُرعبني. أنفضُ عن ثيابي ما استجاب من قطراتٍ وأرتجف. أنظرُ الى السماء القاتمة وأتذكّر. 
ألستِ أنتِ من قالت يوماً، دع الأمر لي، سأُدفُِئك؟

ألستِ أنتِ من قام يوماً بكيّ ثيابي وقلتِ، سأُلبِسُك؟

ألستِ أنتِ من طلب قلبي منّي يوماً ووعدتِ، سأُنصِفُك؟

وأنا؟ ألم أكن لكِ دوماً؟ وكنت في كل يومٍ أحضنك؟

وأنا؟ ألم أُسامحكِ دوماً؟ وكنت عند الهفوة أقبّلك؟

وأنا؟ ألم أصدِّق وعودك دوماً؟ وكنتُ في كل مرّة، أعذُرُك؟

تهبُّ الرياح من جديد، يتواصل سقوط الأمطار وأنا عند الناصية أرتعد. أضم يداي وأنفخُ فيهما بعضاً من الدفء. أسحب سيجارةً من علبتي المبللة، أمسحُ المطر عن شفاهي وأُسكنُ السيجارة عند المنتصف. 

لا تشتعلُ ولّاعتي. لا تشتعلُ اللعينة، وأشتعلُ أنا غضباً منكِ. خذلتني كما فعلت ولّاعتي. 

قلتُ لكِ يوماً أنني أخاف اشتياقك. قلتُ أنني سأذبلُ من دونك. قلتُ أنّ شتائي سيبدأ برحيلك. يومها، كان جوابك ضحكةً وبعض الشفقة.

قلتُ لكِ أنني أخشى المطر، يُحزنني ويقتل الدفء في قلبي. قلتُ أنني سأفتقدك ولن أعثر عليكِ مجدداً. يومها، كان جوابك ابتسامةً وبعض الإنفعال.

وما زلتُ عند الناصية الى الآن، أنتظرُ الصحوَ وقدومك. أتفاوض مع ولّاعتي لأشعل ما بقي من سيجارتي. وأنتظر.

وسأبقى منتظراً الى حين قدومك. ما زلتُ أذكر حيرتي وقلقي. أسترجعُ الطمأنينة ووعدك حين قلتِ: “لأجدُك… يكفي أن تشعُرَ بالبرد”. 

عند منتهى ضوء القمر

تختبئ مشاعري في زوايا المكان. تهترئ، تتناثر مع الغبار وتتطاير في الأرجاء مع أفكاري. أفكاري باتت واهنة، أثقلها القلق وعبث في سكونها الظلام. 
لم أعد أذكر ما مرّ بي من أفكار. لم أعد أذكر أيُّها لي وأيها سرقته من خيال الآخرين. تبعثرت همساتي بين الحروف، بين السكنات وبين الصراخ. فقدتُ النطق في جوفي. تماديتُ في تبديد أفكاري الى أنْ أصابني الإفلاس. 

نعم، أصابني الإفلاس، إفلاس المشاعر والأفكار. فكرتي الأخيرة كانت أنني أتحوّل الى حجر. بل إنني أفقد نفسي وأتحوّل الى جماد. جمادٌ يحاول الصراخ ويفشل. جمادٌ يطرق باب الإنتماء فتزيد وحدته.

أنا حجر، أنا صخر، أنا رملٌ يمتطي أقدام الرياح. ينتشر في الأرجاء ويلتصق بالأجسام باحثاً عن هوية. فقدتُ انتمائي في ذروة بحثي عن أفكاري. خرجتُ من نفسي وضللتُ طريق العودة. صرخاتي باتت غبار. أنا الرمل وأكتب الغبار. غبارٌ يملأ صفحاتي، يسكن أقلامي ويحتل فمي. 

أصبحتُ واهناً، أبحث عن السكينة. وأين سيجد الرمل مكاناً حيث الشطآن والأمواج تحكم بعنف؟ 

سأنتظر شروق الشمس. فالسكون يرافقه والأمواج تصادقه. أمواجٌ منافقة، تجامل الشمس خوفاً منها، وتبسط سلطتها عليّ، عند منتهى ضوء القمر. 

هناك، حيث ينتهي ضوء القمر، سأنتهي. هناك مذبحي ومدفني. هناك نهاية رحلتي ومحطّتي. هناك أحملُ ما تبقّى من غباري وذكرياتي. هناك، عند منتهى ضوء القمر أُقفل حقيبتي على ما تبقّى منّي وأنتقل. 

قد انتقل الى شاطئٍ آخر، وقد أركبُ موجةً واختلط في زبدٍ ناصعٍ يغسل أوساخ حياتي. قد تسطعُ الشمس وأذوب. وأنتحل صفة زجاجٍ منافقٍ، يدّعي الشفافية وهو يخفي القذر من السطور والكلام، في أوراقٍ نسي أين دفنها.

سيمضي الوقت على نفاقي الى أن يكسرني حجرٌ بغيض. سيكسرني ويضحك، ويقهقه عالياً. سيشير إليَّ بأحد رؤوسه المسننة ويبتسم. سيهشّم ما تبقى من زجاج وجودي. سأصرخ وأنا مدركٌ أنني خسرت الى الأبد. سيجد أوراقي قلبٌ آخر. سيسلبها مني فرحاً بانتصاره في صراعه. ستقلّب صفحاتي أنامله وتنسبها لنفسها. 

وسأبقى أنا هناك، على شاطئٍ مظلم نسيه العشاق وملّ منه الصيادون. سأبقى قطعة زجاجٍ ملقاة، تتقاذفها ذيول الأمواج الثائرة. هناك، عند منتهى ضوء القمر. 

زوايا

سأكتب، ليس لأنني أحبُّ الكتابة، بل لأنني أريد الكتابة. أريد الكتابة، الكتابة بكل ما أملك من كلمات. منذ بدأت وأنا أرى في نفسي زوايا لم أكن أدري بها. 

لم أكن أدري أنّ لي جانباً مظلماً كالذي أكتب عنه أحياناً. لم أكن أدري أنّ بي حزناً جارفاً يرقد منتظراً في أعماقي. ولم أكن أدري أن لعبتي مع الكلمات ستجعل منّي نجماً ولو متواضعاً. 

نعم، أنا نجم وأصف نفسي بالنجم. لستُ نجماً كما يُعرّف عنه الآخرون. بل أنا نجمٌ في نظري. نجمٌ لأنني استطعتُ أن اكتب الكثير من النفاق على أوراقي ولم أُعاقب على فعلتي يوماً. نفاقي هو مكنونات قلبي الدفينة. فأنا لي في قلبي من الأسرار ما يجعلني أرسمُ بسمةً واثقة كل نهار، لأخفي حزناً يعتمل جوارحي.

صدقاً، لستُ أعرف سبب حزني بهذا الكم. لدي كل أسباب السعادة. لدي كل ما يمكن أن يجعلني سعيداً، ورغم هذا، أشعرُ بالحزن عندما اختلي بنفسي. والمضحك أنني أحب الإختلاء بنفسي. ففي خلوتي، أتعرّف الى نفسي من جديد، كل ليلة.

أستكين في سريري كل ليلة لأنظم أفكاري. أبذلُ مجهوداً في إيجادها. أفكارٌ مبعثرة، عاث ضجيج النهار فيها اهتزازاً. 

أخلدُ الى النوم وأغفو. ثم أصحو بجهدٍ محاولاً تذكُّر ما عاصرت من أحلامٍ في رأسي. لا أذكر أحلامي جيّداً، ولي حديثٌ عنها، سيأتي يوماً. 

أهجر سريري، ناسياً على وسادتي كل أفكاري المنظّمة وكل مخططات حياتي، وطبعاً، كل تفاؤلي وآمالي المشرقة. وأبدأ نهاري مع نفسي من جديد. أنا ذاته الذي اعتدته كل يوم. أنا نفسه المنافق، الباسم والحزين والغاضب بعد نومٍ عكرٍ أصرّ على مرافقتي بعد قضاء ليلته معي. 

أمضي نهاري موزعاً ابتساماتي كبطاقات تعارف ألقيها على وجه من أصادف. ويحييني الجميع بابتسامةٍ لا أعرف عن أصلها شيئاً، إِلَّا أنني أرحب بها كمن يضع نقوداً مزيّفة في جيبه آملاً باستعمالها يوماً ما.

وأعود الى سريري في المساء. أخلع ضوء النهار وملابسي وأدفن رأسي فوق وسادتي بسكون.