فارسُ الليل

فارس الليل خذل عشّاقه
هادن الظلمة ونسي أضواءه
واعد ريحاً مبعثرة المشاعر
احتض الزوايا وأوصد أبوابه

فارس الليل خان أحلامه
طرد الألوان واعتنق سواده
لجأ لِحُفرٍ فيّاضة بالكذب
رسم بحوره وكسر أمواجه

فارس الليل ليس كالفرسان
لا يهتم بالمكان بل بالزمان
ينتظر غياب الأفق والضوء
ليله نهارٌ وشمسه الى بهتان

فارس الليل صفاته أجناس
ضعفٌ وخوفٌ وقلقٌ واحتباس
تضنيه قسوةٌ تَفطرُ القلوب
ومرارة تعاظمت لتوفيه اللباس

فارس الليل سيأتي ويرحل
سيجوب عيونٌ تعابيرها ستفشل
ويركن جواده عند ساقية وشجرة
ويأخذ من هذا العالم وجوده ويرحل

جرّب مرّة أُخرى

في قديم الزمان، حين كان كل شيء قديم حتى الوقت، وحيث كان الغبار يعلو كل شيء حتى عقارب الساعة، لم أكن انا موجوداً.

في قديم الزمان، حين كان الوقت أكثر بساطة وحيث كانت الساعات اكثر تعقيداً، لم أكن انا موجوداً.

في قديم الزمان، حين كان الإنسان مجرد إنسان وحيث السكّان عاشوا بسلام لم أكن انا موجوداً.

في حديث الزمان، انا موجود. وبتعقيدات الإنسان انا محدود. اشتاق الى زمنٍ لم اعش منه الا بعض الحروف والكلمات في كتب التاريخ.

أحاول جاهداً العثور على طريق العودة، العودة الى ذاك الزمان، والعيش ببساطة الوقت هناك وأفشل.
أسير زمني انا الآن، لا مفر لي منه ولا مفر له مني. أركض خلفه وهو يلاحقني.

لا ادري لمَ لا أحب هذا الزمان، ولا أدري لمَ أحس ان الهرب منه هو لي أمان. كل ما أريده هو الرجوع الى زمن لم أكن فيه موجوداً، حيث الحياة خالية مني ومن يأسي.

سلكت كل الطرق وطرقت جميع الأبواب، ولم أجد سبيلي الى الوراء. تزوّدت بخطواتي وجلتُ العالم، وصلت الى أقاصي الأرض، وجدتُ حارساً ينتظرني. وجدتُ عجوزاً يحمل شيبه على رأسه وتحمله عصاه على كتفها. سألته عن طريق الهرب فصدّني. أخبرني أن الحياة في هذا الزمن مأساة، وأن من يريد الهروب عليه ان يستحقّه قبلها.

أخبرته أَنِّي سئمت، تعبت، ومللت من هذا الزمان، فردّني الى أرضي خائباً وناصحاً بأن من يريد الهروب عليه دائماً أن يجرّب مرّة أُخرى. فتلك المرّة الأُخرى هي الأمل وفيها الزمان والمكان.

مرطبان الحب

تدغدغني أشياء كثيرة. نسمات الهواء، انسياب الثياب، أصابع الرفاق ولمساتك.

تستفزّني أمور عديدة. نومي القليل، سهري الكثير، بطء المشاة في السوق وغيابك.

تقلقني مشاغل متنوعة. استيقاظي باكرا، قهوتي الباردة، طعامي المسخّن ونسيانك.

أحتاج الى وجودك كي أنساك. أتشوق لهفة اللقاء كي أهرب منك. أتجرّع نشوة عطرك كي أُفكر بغيرك. وأستكين. أُعانق قهراً يلازمني في كل غياب لك. أعتلي عرشاً يعبق بِلَوعة انتظارك. وأرتدي تاجاً حُفرت على مقدمته الأحرف الاولى من قسوتك.

أبتسم وأنا مدرك أنك لي. مدرك ان غيابك سيعيدك لي. مدرك ان البعد عني سيرمي بك في طريقي يوماً ما.

وأضحك وأنا اتشوّق الجدال معك واستقزازك. أتشوّق مقاطعة حديثك بقبلة. أتشوّق غمرة ستأتي بها الى ذراعيّ بسلام.

أُحبّك بقدر ما قلت لي أُحبّك. أُحبّك بحجم ذاك المرطبان النائم في الخزانة المنهمكة بجعل مطبخي صغيراً. ذاك المرطبان الذي وضعتِ فيه كل المرات التي قلت لك فيها أُحبّك. أُحبّك بقدر ما مر على ذاك المرطبان من وقتٍ ولم يُفتح.

لحيتي

لحيتي اللتي لم تحبّيها…
لحيتي اللتي آلمت خديكِ بشوكها…
لحيتي اللتي لطالما قلت لي عنها “لو بتخففها بس شوي”…
لحيتي تلك، طالت وأصبحت قاسية.
لحيتي طالت، وطال شوكها وباتت اقسى الآن. الشيء الذي لا أستطيع ان أقارنه بقلبك. قساوة قلبك موجعة أكثر من حكاك لحيتي الملتهبة. شوك بُعدك مؤلمٌ أكثر من شوك لحيتي المتناثرة.

لحيتي الآن تحميني، تساندني وتُزين ابتسامتي. أمّا هجرانك فيكسرني، يحرقني ويُحزن قلبي.
عودي. عودي الي لتعبثي بلحيتي وتمنعيني عن اللعب بأطرافها كلّما تكلّمتِ وأسرتني عباراتك. عودي. عودي الي لترمقيني بنظرات العتاب في كل مناسبة يتكرّم علينا احد زوّارنا بتعليقٍ سخيفٍ عن لحيتي. عودي الي لأُسند لحيتي على وجنتك مانحا خدّاي المختبئين ما حرمتُهم بعد لحيتي.

او، لا تعودي. لا تعودي، فلحيتي باقية وانت راحلة. لا تعودي، فلحيتي لا ترحل إِلَّا بأمري وانت لن تبقي إلّا بأمرك. لا تعودي، فلحيتي ملاذي في سريري الآن بدلاً عنك.

لحيتي اللتي لم تحبّيها، تحبّني اكثر منك.
لحيتي اللتي آلمت خديكِ بشوكها، تُريح قلبي وتسعدني.
لحيتي اللتي لطالما طلبتِ تخفيفها، “ايه مش رح خففها ولا شوي”.

أُواصل الكتابة

سأنسى أنني في يومٍ كُنْتُ فارساً لأحلامك. سأنسى انني يوماً ذرفت دمعاً وصرخت ألماً لأوجاعك. لم أعد أرتدي ابتسامتي فهي لم تعد تليق بي. فأنا تغيّرت، وهربت من طيفٍ لاحقني لزمن.

سأنسى انني في يومٍ كنت انيقاً لألقاك. وأنسى انني يوماً لمت نفسي بسبب دقائق وبعض الثواني.انتظرتك كثيراً بعدها حتى مللت الإنتظار.

هجرتني ملابسي النظيفة وعطوري الفاخرة، فلم يعد هناك من اتعطّر له. تخلّت عنّي أوجاعي وفقدت الإحساس بالألم. هربت منّي أقلامي واختبأت الحروف في جوف نسياني. سلبتني كل ما أملك من هذياني ورميتني لواقع ينهشني.

أخاف من خيبة الأمل عند عودتك. أخاف من صيحة الخجل في صدمتك. ستعودين وتكتشفين أن ذاك الذي كسرتِه لم يلملم أجزاءه بعد. ذاك الذي حرمته أحمر شفاهك، لم يتخلّ عن قبلاتك بعد. ومن منعت عنه عطرك، أبعد ألوان حياته عنه.

أخاف؟ لماذا أخاف؟ من عودةٍ لن تتحقق؟ من أملٍ لن يسطع؟ أم من خجل لا يسكن إِلَّا في كتاباتي؟ أنت، ستبقين غائبة، ممتنعة وبعيدة. وأنا سأُهادنُ أقلامي، أُغري حروفي وأُواصل الكتابة…

خطوات خارج الورق

هنا، تقف حياتي، وهنا تتوقف.
هنا، أُدرك أن المستقبل لم يعد يعنيني، وهنا أفقد اهتمامي بما سيحصل من بعدي. هنا، يهجرني الأمل، وهنا يبدأ الظلام.

لا أُفكر بما سيحدث ولا أريد ان اعرف. فها هنا محطتي ونهاية سفرتي، لكنها سفرةٌ من دون حقائب ثياب، ولا دفاتر العمل. سفرتي زوادتها ما فعلت وحقائبي تفيض بما لم أفعل.

هنا أقف، يداي ترتعش، رجلاي ثابتة كالصخر، وقلبي يتناقص نبضاً بعد نبض. أريد الرحيل، دعوني. أريدُ الهروب، دعوني. لم يعد هذا العالم يعنيني، لكن ابتسامتك؟ ما أنت فاعلٌ بها إن أنا رحلت؟ هل ستهجرها؟ هل سترميها؟ أم ستحملها وتأتي الى هنا؟

إليك عنّي، فوميض وجهك في ذاكرتي يؤلمني. إليك عنّي، فدموعك القادمة تحطّمني. ترددت بسببك دائماً، مضيت في طريقي من أجلك لكن ليس بعد الآن. هنا، تنتهي علاقتي بك!

في كل مرة، كنت أُقررُ الرحيل، وأرحل، على الورق.
في كل مرة، كنت أُنهي ما تبقّى من حياتي، على الورق. وفي هذه المرة، خذلني الورق. خذلني قلمي وهرب. ولكن، هذا الحديد لن يخذلني. هذا الرصاص سيسبق تراجعي. وإن قاومت، فذاك الرجل لن يبالي، سيطلق رصاصته، سينفخ في وجه الحديد، سيمسح دمائي عن حذائه ويرحل. فهذه المرة، الامر ليس لي، ولا لقلمي وأوراقي. في هذه المرة، سأفارققك وحياتي رغماً عنّي.

كتاباتي كانت خطواتي، وخطوتي الأخيرة، كتبتها.

أتذكر تلك القصة؟ تلك التي طالبتني دوماً بإنهائها؟ أتركها لك، لتسجّل الخاتمة بخط يدك. فما أجمل من نهاية تُكتب بيدِ الحبيب؟

رقصةُ النّار

تعودتُ الرقص وحيداً في غرفتي الصغيرة. رقصتي لا تشبه باقي الرقصات. رقصتي عنيفة، متآكلة، تائهة ولا تعرف الاستقرار.

رقصتي تهرب من قرع الطبول وألحان الأوتار. رقصتي تنتظم على نبضات قلبي، قلبي المتسارع حيناً والنائم حيناً آخر.

عندما تسأم رقصتي من قلبي، ترتفع في الفضاء وتدور بحثاً عن افكاري المتزاحمة. تتدافع معها للعبث في رأسي، ثم تُعيثُ في ذكريات بعضا من الخراب. فتطفو الى سطحي احدى الذكريات. تكسر صمتي، تهزُّ أرقي، وتخرج مع الدموع الى العراء.

رقصتي تهينني، تنعتني بأبشع الصفات. رقصتي تُعنّفني، تُشعل الضجيج في أرقّ السكنات.

راقصٌ كسولٌ انا. بارع في الخمول والسبات.
نائمٌ هزيلٌ انا. ارتشف النعاس في انشط اللحظات.

انا مخلصٌ لرقصتي، فهي لا تتطلب مني جهدا. على اتفاقٍ دائمٍ معها، تشعرُ هي عنّي وانا اتكفّل بالصرخات.

رقصتي تشغلني، تشعلني، تتآكلني وتحرقني.
رقصتي هي، رقصة النّار.

أغراضي الخائنة

في جيبي جرعةٌ من خجل. اشرب منها عند الحاجة. فحاجتي للهرب من كل الأسئلة لا تفارقني. تربكني النظرات أيضاً، لهذا احمل في جيبي أيضاً جرعة من الظلام. احتمي بها من كل العيون.

في حقيبتي عطر فاتن. اخطف به لهاث كل من يضمر لي حبّاً. وعطر قاتل في حقيبتي، لأتعطر به لحظة وداعي، او وداعكم.

حقيبتي تحمل قلماً. وتخفي في طيّاتها اوراقاً لا تعرف البياض. تخطُّ على اوراقها ما يحلو لها، ليحصل لي ما أخشاه.

حذائي متمسك ببعض الحصى، لتبقى في ذاكرتي خطوات زياراتي. انا مدينٌ لحذائي بالكثير. فهو تحمّل هروبي من الكثيرين. وتحامل على نفسه بخطوات مخادعة ليصل بي الى بر الأمان.

تخلّت أغراضي عني بغيبة قمر. تبعثرت أوراقي مع نسمة طاردت القمر. لم يبق لي الا عطري القاتل. هو الأقرب الى أقسى اللحظات. لحظة الوداع.

عنواني الجديد

أرهقني وجهي الشاحب. أرهقتني هذه الكآبة التي تحتل مقدمة رأسي.

كل ليلة، أُفرغ ما في جوفي من أفكار وأسرح. أطير خالياً من كل الذكريات. أطير متحرراً من كل اللحظات.

منذ زمن فقدت رسائلي المعاني. منذ زمن سئمت انتظار الإجابات. وأمضي متخليّاً عن كل ما فات.

ألتفت يميناً لأرى ذكرى لي معك، ثم يساراً لأسترد بعضاً من عنادي أمامك. وأحتي رأسي ملقياً كل غروري وبعض السخافات.

دعيني ابكي بحرقة. دعيني اتألم بصمت. دعيني اكتب يأساً. لعلني اهرب من قيودي وأمضي. دعيني اكتب رسالتي الأخيرة، أبللها بحزني واجففها بحقدي.

دعيني اكتب آخر كلماتي، آخر نصائحي، وآخر طلباتي. إفتحي عينيك وانظري. ابحثي في قلبك جيداً. انظري هنا وهناك. حذار ان تتفاجئي. حذار ان يخيفك الفراغ الذي فيه. فأنا هجرته ومضيت باحثاً عن قلب جديد. عن قلبٍ اسكنه وربما اجد نهايتي فيه.

أنا وهو

تعبت قصائده من الكلام عنك. تعبت نبضاته من النداء بإسمك. اليوم أخبرني عنك، عن تلك التي أسكن أواخر كلماته من أجلها. تلك التي اختصر جُمله من أجلها. ولكن تفاصيل وجهك غلبت كلماته. وبكى.

بكى بحرقة وصمت. طعنته الخيانة في وجهه عندما نظر في وجهي. لم يفهم الحقيقة، لكنه شكّل حقيقة أُخرى بأوجاعه، وفهمها.
عرف أنني من أجلك حرّكتُ أواخر كلماتي، وبالغت تفصيلا في جُملي. فحبي لك مختلف.

أنشودة عزفتها انا، وبكى على لحنها هو. قصيدة أزهرْتُ معانيها انا، ورثى خصوبتها هو. حزين يُشفِقُ القلب هو. تائه لا يعرف من هو. لا يعرف انني من نظراته الضعيفة استمد القوة لأقاربه منك.

خائنٌ انا. انتظرت خذلانه لأنتصر لك، تسلقت جدرانه لأصل إليكِ، قطفت مشاعره لأقطفك.

خائنٌ انا. بكيت في ضحكاته لكِ، وقهقهتُ في دموعه لكِ. توقفت في خطوته اليكِ، ومشيت في ابتعاده عنك.

غدّار هو. تناثر على الأرض فتات ولممتني انا. تهاوى في حفرة هو، وكجدارٍ شامخٍ ارتفعتُ انا.

غدّار هو. استسلم لمكرك وانزوى في ركنٍ لا يتسع إلا لخُبثه، وتركني انا. تركتي امام ناظريك مسحوراً، وإمام شفتيك مذعوراً.

قبلة منك وأختفي انا.