خذلان قلم

لم أعد أعرف مما أعاني. من ضيقٍ يعصف في زوايا صدري أم من حنقٍ ترتعد منه أناملي أم من صمت طال حتى اتّخذ مني وطنًا.

لم يعد صداع رأسي كما كان، بل بات أشبه بصفير حاد اعتدتُ عليه وألفته حتى نسيتُ كيف هي الحياة من دون صفير. لم تعد أنفاسي متلاحقةً كما عهدتها، بل تعبت وتباطأت لتتوعّد باقتراب نهاية. وحتى نهايتي، لم أعد أعرف عنها شيئًا. تصورتها كثيرًا وتخيّلتها بكل السيناريوهات ولكن، بين الفشل والفشل، حتى سيناريو نهايتي سيفشل.

لن أنتهي، رغمًا عنّي سأبقى مناضلًا مجابهًا هذه الحياة بكل زواياها العفنة وأوحالها الملتصقة. سيرسم بُعدُ النهاية هذا ابتسامةً ثابتةً على وجهي. ستحتلّه وتنطلق منه. ستبددُ تلك الابتسامة كل سكناتي، حتى تلك التي تعلن اقتراب النهاية.

أين هذه الحياة التي تتكلمون عنها؟ أين تلك السنين التي تمضي من دون أن تمرَّ بي؟ أين العمر، الخجل والصمت منّي؟ ضعتُ بين الصفات حتى فقدتُ هويتي. ضللت طريقي في متاهات هذه الحياة حتى انمحت النهاية، وانمحت بعدها البداية فضللتُ الطريق.

أنا ذاك الذي ضلّ طريقه فسلك درب غيره، سرقها وعاشها واقتنع بها. أنا ذاك الذي يسلك مسارًا ليس له حتى ألِفَ الزيف وأضاع نفسه. لم تعد هذه الحياة تغريني، فكل ما بها ينسيني ما كنته وما سأكونه فأضيع بين كلماتي.

يستسلمُ قلمي ويعلن فراغه من الحبر والأسطر. يستسلم قلمي ليخذلني في منتصف تعابيري. يخذلني قلمي ليقبع في جيبي هو أيضًا صامتًا كئيبًا يترنّح بين التنهيدات والانتفاضات. يخذلني ثم يرافقني نحو نهاية سنكتشفها نحن معًا.

أضف تعليق