وأَكتب…

لقلبي احساس غريب، وجعٌ مريب، غصةٌ مريرة. نبضاته تتجادل فيما بينها. نبضة تريد الهروب، وأخرى تنتظر الرحيل، وأخيرة تنتظر إغلاق الستار. وأحيا…

احيانا اكتشف ان هذا ليس قلبي. احيانا أُحس ان هناك من أخذ قلبي مني ووضع مكانه قلباً بالياً، مجنون الإيقاع. وأتوه…

انا إنسانٌ حزين. لم أعد اجد مبررا لكتمان الأمر. لم أعد اجد نفعاً لتحوير الحقيقة. حزين. أريد ان أصرخ. أريد ان أبوح بالكثير. وأسكُت…

أنا إنسان بكّاء. لم اعهد نفسي يوماً مرتاح البال. دائماً هناك ما يؤرقني ويبكيني. وغالباً ما اسمع أنين عيناي وجعاً من المفارقة. وأبتسم…

انا إنسان يائس، احبّذُ الاستسلام والسهولة، لكن كبريائي يمنعني، وريائي يدفعني الى المضي قُدماً. اتألم بسهولة. وأُكابر…

سئمت أوجاعي.
سئمتُ وهني.
سئمت نفسي.
وأُكمل…

اليوم أضعتُ نفسي

اليوم، أضعت نفسي. استيقظت من نومي ولم اجدني. نظرت في مرآتي، فلم أراني. ما هي هذه الحال؟ هل هجرتُ نفسي بعد ان سئمتها؟ لا أدري.

بحثت عن نفسي في نفسي، وجدتني شخصاً آخر. شخصٌ لا اعرفه. سريري نفر مني. وسادتي امتعضت من رائحتي. تهتُ في دهاليزي ولم أعد اجد الطريق.

دعوني أجرب أنا الجديد، لم يسبق لي ان كنت شخصا آخر. شخص لا اعرفه. دعوني اكتشف الجديد فيني، وأتأقلم، ربما، من جديد.

كتبتُ لحناً ذات مرة، لكني أضعته. لعلني ذاك الجديد الذي يعرف مكانه. لعلني من سينجح بصياغة الكلمات المناسبة لهذا اللحن.

لحني هذا مميز. لم اكتبه حقاً، بل وجدته معي وادعيت انني من يؤلفه يوما بيوم. جعلت الجميع يصدقني، وأضاعني الجميع بعدها.

انا إنسان غريب، غريبٌ حتى عن نفسي. اعزف هذا اللحن وأمضي. سبيلي لم تعد واضحة، وطرقاتي زادت تعرجاتها.

سُئلتُ من انا مؤخراً. ضحكت في سري. كذبت في علني. أجبت هذا انا. ضحكوا عليّ في العلن. كذبوا على في سرّهم، وأصدقوني القول.

جارَيتُهم، صادقتهم، وتقمصتهم. أعجبتُ بهم الى حد الجنون. وددت لو انني هم.

صحوت اليوم وانا، هُم. لم اجد نفسي، فقدتها، اضعتها، ام ربما رميتها. الرجاء ممن يجدها ان يعيدها. فأنا أبحث عن نفسي التي اضعتها اليوم.

أشعرُ بالرّضا

أرتدي نفسي كل يوم كقطعة بالية من الملابس ثم ابحث في خزانتي عن شي ارتديه من مشاعرٍ نظيفة. ألفُّ بعضاً من المبادىء حول رقبتي، فأنا لا اخرج من بيتي إلا بربطة عنق جميلة.
أتسلّح بإبتسامة منافقة وأمضي…

أغلقُ الباب ورائي متجاهلا امتعاض آرائي الملقاة على السرير بإهمال. ليس لي مصلحةٌ بها، فلا احد يبالي.

أنثرُ أفكاري في طريقي مع كل خطوة أُبعثرها. أتصدق بدعاءٍ لمتسول وبنظرة عطف لسائل وأشعرُ بالرضا عن نفسي. ماذا سيفعلون هؤلاء الأشقياء بالمال ان أعطيتهم؟ نظرات العطف أفضل، لي!

أضحك في سرّي على حال هذا العالم. فهو مليء بالأشرار، الذين لا اعرف شيئا عنهم سوى انهم أشرار.

أصلُ الى عملي، أضعُ أوراقي البيضاء على مكتبي المزيف، وانشغل. بماذا؟ لا اعرف، لكنني سأبقى مشغولا الى ان ينتهي عملي.

اقصدُ الاستراحة وأجلس. أغرفُ من صحني الفارغ فتمتلىء معدتي بالأكاذيب والحِيَل. وأشعر بالرضا، فأُشعل سيجارة من التعالي والفخر وأنفثُ دخانها عالياً، اعلى من كل تواضع.

أعودُ الى مسرحي، أقصدُ مكتبي، وانشغل مجددا، ولكن هذه المرة بتعب، فقد مضى نصف النهار وانا مشغول بعملي. ابدأ المماطلة بانشغالي الى ان يحين موعد عودتي الى منزلي.

أُلملِم أوراقي الدائمة البياض، أُحيي الجميع بكرهٍ متنكر، واخرج في مشوار العودة. أتصدق بالمزيد من النظرات والدعوات، فأشعر بالرضا، طبعاً.

يا لي من إنسان عطوف ومُحب. فكم من بائس باتت حياته أفضل بفضل نظراتي العطوفة ودعواتي المتألمة. فأشعر بالرضا مجددا. حقاً انا رائع.

أصلُ الى منزلي، انفض عن كتفي غبار هذا اليوم المتعب، ككل يوم، وأدخل. يستقبلني السكون الوحيد في غرفتي المشرقة. ابتسم له وأُربّت على كتفه بحرارة، فهو حيواني الأليف والمخلص. وأشعر بالرضا أيضاً. فأنا من مشجعي الرفق بالحيوان، والسكون في غرفتي.

أنتظرُ الظلام بمللٍ وأنفاسٍ متذمّرة، ثم أغوصُ في سريري باحثاً عن حلم كنت قد نسيته أسفل وسادتي تلك الليلة. أبحث جاهداً ولا أجده. لا بد انني حلمت به قبلاً ولا أتذكر. حسناً، عليَّ الآن ان احلم من جديد.

بماذا سأحلم الليلة؟ عرفت!
سأحلم أنّي إنسان جديد، وجد معنى لحياته وهدفاً. سأحلم ان امرأة اقتحمت غرفتي، واحتلتها، وأنجبت لي جيشاً صغيرا يكمل مسيرتي. سأحلم أنّي إنسان يشعر بالرضا عن نفسه، كل يوم.

فأشعر بالرضا عندها، إذ انني عرفت كيف سأمضي ليلتي وكيف سيكون حلمي.

في أعماق نفسي

قد يكون سكوتي هو الأفضل، قد يكون سكوتي هو الأنسب. رويداً رويداً ستتناقص كلماتنا، ويذهب كل منا في طريقه.

قد أتوه عن نفسي لفترة، قد أتحول الى شخص آخر. لكن الآن انا نفسي، ولن اتغير. اكاذيبي ستبقى هي نفسها.

ربما أخطأت، ولكن، ما هي الأخطاء ان لم ارتكبها، وأمضي من بعدها محاولاً التعلم منها؟

انا إنسان ضعيف. انهض من حفرة، لأقع في بئر. اوحالي باتت كثيرة وسميكة. قريباً سيتوقف المطر. قريباً ستجف اوحالي وأجف انا من بعدها.

أريد الغوص في داخلي. أريد المكوث في ظلامي. أريد ان افهم نفسي. ثم أعود الى آفاقي.

لا اتسامر مع نفسي إلّا قليلاً. نسيت نفسي. سئمت نفسي. وذاك السلام الذي ادعيه بيني وبين نفسي، وتلك المصالحة، ما هما الا زيف برّاق احتمي به.

سأعترف. اخلد للنوم في بعض الليالي وانا فاقدٌ لشعوري. احتار، هل اتشوق الى توقف الزمن والغرق في سبات دائم؟ فضولي لما بعدي، يقتلني… يغريني.

سأذرف دمعةً عند كل مفترق طرق. سأتركها للذكرى. لأنني قد أغيب ولا أعود. لأنني انوي… ان أغيب ولا أعود.

أكثر وأكثر

أفتقر الى الصدق في نفسي. ادّعي انني شخص آخر. أتصرف وفق مبادئ وقوانين لا ادري من أين أتت… أُنافق في بعض الأحيان واصطنع الصدق في البعض الآخر. طريقي ليست واضحة، ولي اتجاه قسري اسلكه.

احترفت الكذب حتى بتُّ أصدقه واحترفت البراءة حتى بقيت مظلوماً، مغلوباً على امري. سئمت الكذب.

انتفض واتصالح مع نفسي، ثم أعلن الحرب والخراب. أدور في حلقة مفرغة، أناور، واهرب من الحقيقة.

أقول كلاماً يطرب الآذان، ويجرح حلقي زيفه.
انا إنسان، يحاول ان يكون كاملاً. انا إنسان، يحاول ان يرتقي الى فكرةٍ أفضل. لا اريد الإدعاء، ولا اريد المكانة. اريد راحة فكري وبعضاً من الصراحة.

أغوص في أعمق أفكاري. أبحث جيداً في قلبي. اجد فوضى كبيرة، وجدل عقيم. أغوص اكثر بإرادةٍ أكبر.

أغوص ولا ادري بأنني اغرق في نفاقي، أكثر وأكثر.

نفسي المُبعثرة

أعود الى رشدي في آخر كل ليلة لأسأل نفسي، لِمَ أنا ما زلتُ مستيقظاً. وكالعادة، لا أجدُ جواباً سوى انني نسيت…

وأتذكرُ الآن، لم يكن عقلي صديقي دوماً. غالباً ما كانت صحبة قلبي تطيبُ لي أكثر!

وها أنا، أُبعثرُ كلماتي على وسادتي. لعلّني أتوه في هذه الفوضى التي احدثتُها، وأرتحلُ وأحلامي.

وأحادثُ أفكاري. أنشر الذعر في صفوفها، أغوص في عمقها، وأرقد بين طيّاتها كبذرةٍ سوف تنمو لاحقاً وتنشر السوّاد.

سوادُ نفسي لا يخيفني، لا يؤرقُني، ولا يروقُني. لكنه يعيش في داخلي، مصارعاً كل أفكاري البيضاء، ليبقى… ليطغى… ويتسرّب…

يتسرّب السّواد من حلقي. يمتطي كلماتي الهادئة ويرتحل. لا يشعُرُ به أحد. لا يدري بوجوده احد سواي أنا. انا المسجون وراء قضبان غضبي.

وفي حضرة غضبي أصمت. ارتعش في سرّي وأحتمي وراء هدوئي. لطالما أَتقن هدوئي فنّ الحراسة. ولا يزال شخصي الوقور يطغى على تمرُّدي.

أقمعُ تمرُّدي وأعيش في جسد مسالم. جسدٌ أخاف منه الثورة وبداية حقبة جديدة من حياتي، أستهلُّها بصفحات سوداء تنتظِرُ حِبريَ الناصع…

بحث

أحمل اسئلتي
أجول في الشوارع
أبحث عن مجيب
لا أجد أحداً

أعود الى قصري
أجول كل الغرف
أبحث عنك
لا أجدك أبداً

أرحل الى قريتي
أجول الأحياء البالية
أبحث عن اصلي
لا أجد نسباً

أهرب الى سريري
أغوص في جوفه
أبحث عن ذاتي
لا أجد سبباً

أسقط بين احضانك
أغرق بين جفنيك
أبحث عن قلبي
لا أجد ولهاً

أهيم في الفضاء
أتوه بين الثقوب
أبحث عن جديد
لا أجد أملاً

أسكن الى نفسي
أحترق في داخلي
ولا أجد إلّا أنتِ
في قلبي وتداً

لف ودوران

أحبُ صمتي في بعض الأحيان
اهربُ فيه من خجلي

أقترحُ على نفسي ان اختفي
أفشلُ في كل المحاولات

مرة، التقيتُ بنفسي صدفة
سألتها عن حالي واحوالي
سألتها عن وجعي وانفاسي
صمتَتْ، تألّمتْ ثم ضحكَتْ

ذهبَتْ فتبعتها
وصلَتْ الى بيت يشبه بيتي
فيه امرأة تشبه حبيبتي
وصورة في الدار لنا سوية

هل هذا المستقبل؟

عادت نفسي الي
صفعتني
عنفتني
عانقتني
وحزنت على حالي

لم تلق بالاً لتفسير الامر لي
نادَت على خجلي ونظرَت بعيداً
وجدتُه مقيداً، مرمياً في احدى الزوايا

نظرتُ الى نفسي فوجدتُ قوتي

اليوم انا إنسان جديد
انا لحن جديد
انا جديد

دفتري الصغير

دفتري الصغير
لا يعرف بوجوده احد
دفتري الصغير
فيه جميع أسراري
دفتري الصغير
ليس دفتر يومياتي
دفتري الصغير
فيه كل اعترافاتي

اعترافاتي التي لم أقلها لأحد
همساتي الخائفة ولحظاتي

في احدى صفحاته قبلة لتلك
لم اطبعها إلّا على فم ورقتي
ولكني كتبت اسم فتاتي قبلها

وفي صفحة اخرى نظرة ازدراء
اعتراني الخوف من توجيهها لذاك
فأنا بطبعي أخاف واهرب

دفتري الصغير فيه تمرُّد
خذلته ولم اعص الأوامر
فأطلقت العنان له في أوراقي

دفتري الصغير فيه صفحة اخيرة
صفحة حفرت بها عبارة مسروقة

كلما أردت التمرد على صفحاتي
يشدو صوت فيروز في صفحتي الاخيرة

وأقرأ،
“لشو فتّش بهالكون… وبعرف السعادة هون”

كل يوم

أغوص في زوايا سريري
أبحث عن بقايا رائحتك
أتهجم على وساداتي
ولا أجد شيئاً

أنظر من نافذتي المضلّعة
انتظر الصباح القادم
أفكر في غفوتك بعيداً
ولا أفهم شيئاً

أنهض من حلمي الواهن
انفض الغبار عن قلبي
احثه على المضي قدماً
ولا يفعل شيئاً

أرتدي ملابس بعناية
أتعطر بما قد يعجبك
أدرس حركاتي مسبقاً
كي لا انسى شيئاً

أخرج من منزلي بحماسة
أدرس الطرقات الكثيرة
أقرر مسيرتي الطويلة
وها انا امضي قُدُماً

أصل إلى بقعتك المفضلة
ابحث عن أثر لك فيها
أدور كالتائه في دوامة
ولا أصل مكاناً

أسأل عنك الناس تارةً
وأقلب الذكريات في رأسي
انتظر واعرف انك لست قريبة
فأعود ادراجي خائباً

أصل إلى بيتي دامعاً
أغلق الباب على وحدتي
أقاصص نفسي بقسوة
ولا أتعلم شيئاً

أنا أسير حبك الكاسر
ضائع في مدى بعيد
فقدت خارطة طريقي إليك
فأبقى رهن مزاجك انا، خاضعاً