لم يعد للسكر مكان في فنجاني

اليوم حضّرت قهوتي؛ مُرّةٌ كالعادة!

جهزت ثيابي النظيفة ولبستها، عطّرت نفسي، رتبت حقيبتي وانطلقت في يومي.

لم أبتسم لجاري الذي رافقني في المصعد، كالعادة.

ولم ألقِ بالًا للعمال في موقف السيارات، كالعادة.

وانطلقت في سيارتي متمهلًا، أيضًا كالعادة.

انطلقت وبدأت رحلة أفكاري وخواطري. سوادٌ في الركن الكبير من قلبي وضبابٌ كثيف في عقلي.

أفكارٌ متزاحمة ومشاعرٌ مختلطة، وأنا في خضم كل هذا حائر، مترنحَ المنطق وفاقد الثبات.

لم أعد أعرفني مؤخرًا، لم يعد قلبي ينبض كما كان قبلًا ولا أغانيّ المفضلة تؤثر فيّ كما في السابق.

مختلفٌ أنا عمّا مضى، أصبحت متبلد الشعور ولم تعد أبسط الأشياء تفرحني ولا أكثرها تعقيدًا. حقًا لم أعد أعرفني.

كيف تغيرت وكيف تبدلت حالي هكذا؟ لن أكذب وأدعي أنني لا أعرف. سنة مرّت عليّ، خضت فيها براكينًا وأعاصير تفوق طاقتي وتحملت. سعيد أنني تحملت لكنني لم انتبه خلال كل هذا أنني أفقد نفسي شيئًا فشيئًا. هل هذا هو النضوج؟ هل هكذا يكون التقدّم بالعمر؟ هل هكذا تنتحر الشخصيات وتترك مكانًا لغيرها؟

قهوتي طعمها اختلف وصوتي في المغنى خفتت طاقته. هل هكذا أصبحت الحياة؟ لم أعد أبحث عن إجاباتٍ لأسئلة لم تعد تهمني. لم أعد أسأل أساسًا وقهوتي لم يعد طعمها كما كان. هكذا أنا اليوم، أقنع نفسي بالسعادة وأنا أدفن السواد في داخلي سرًا.

حياتي شكلها اختلف ومشاعري صوتها خفت وقهوتي طعمها بهت. ازدادت حدتها ومرارتها ومهما حاولت، لم يعد للنشوة مكان في حياتي.

عناد

لا أحتملُ العمر، أعاني من صخب الأيام وضجيج الحياة. لا أطيقُ الانتظار، يقتلني بطء الثواني وطول الساعات. ولا أخشى النهاية، تُتعبني الطريق ولكن يريحني الوصول. 

أُترك أقلامك خلفك واتبعني، رحلتك لن تحتمل التفاصيل بعد الآن. إرمِ مشاعرك بعيدًا وانصفني، ففي معركتي لن أصمد طويلًا. تمسّك فقط بكلماتك واصرخ باسمي كلما شارفتُ على النهوض. 

لا تدعني انهض بل دعني استسلم. ربّما استسلامي يعجّل في وصولي الى النهاية. نهايةٌ رغبتها، اتّبعتها وسأبلغها قبل موعدها. دعني أفرح منتشيًا بلذّة الوصول، دعني أرقص رقصتي الأخيرة واحتفل. 

لا تعاندني. أُترك أقلامك وراءك وامضي، ودعني أستسلم. لا تقلق، ستكتب عني يومًا ما، عندما تستفيق من غفوتك وتُصالحُك الكلمات. لا تجزع، ستعود إليك مشاعرك بعد حزنٍ سيجرف ما تبقّى منك من إرادة. وستشعر أنّك رافقت من أنهى طريقه باستسلام وستتعلّم. ستتعلّم أن الخوف من النهاية هو نهاية بحد ذاته. لا تعاندني واتركني وراءك وامضِ بسلام. 

رائحة الموت

يهزني صمتي العميق ويؤرقني ليلةً بعد ليلة. يحتلني أرقٌ رهيب ويمزقني شيئًا فشيئا. رائحة الموت تفوح من كل صوب. رائحة اليأس، رائحة الخذلان ورائحة الموت. كل أفكاري تنصب نحو الموت. لقد هَزَمنا الموت وأَذلّنا، نال منّا ومن عنفوانٍ نصّبناه تاريخًا لنا يومًا ما. 

روّاد الطرقات هائمون، نائمون يائسون. بعضهم يسبّ ويلعن بقهرٍ وغيظ. وبعضهم يدندن اغنية على مذياع ناقلته متناسيًا واقعه الأليم. والبعض الآخر يقود في صمت ويأس… وأنا. 

أنا أمضي في طريقي مصارعًا أفكاري، خوفي من الموت، خوفي من الحياة وخوفي من الغد. رائحة الموت تعبق في أنفي وأنفي يأبى أن يطيعني.

لم أرَ في حياتي كلها الموت أقرب مما أراه الآن. أحسبه ينتظرني في كل زاوية، بعد كل ركن وعند كل مفترق. حتى الطريق السالكة باتت تخيفني. 

أنا خائف. خائفٌ من كل شيء ومن كل شخص. الاثنان جماد على حدٍ سواء والموت تفوح رائحته من الاثنين. لم يعد لي من مهرب. ولم أعد أريد الهرب. أريد أن أنتهي. أريد أن أختفي. أريد أن أفقد حاسة الشم وأهرب. أريد أن أنسى رائحة الموت وأمضي، علّي اصطدم برائحةٍ جديدة لا تخيفني ولا تؤرقني ولا تبقيني صامتًا كل يوم بانتظار الموت.