ذات يوم

ذات يوم، سأخرج من نفسي ولن أعود.

سأترك الباب مفتوحًا، من يدري، لعلّني أعود.

قد أعود وأجد أحدًا غيري احتلني وأبقى أنا هائمًا.

لن أعود. سأبقى نسمةً عابرة، ترافق ضحكات المارّة وتقفز من تحية إلى أخرى.

سأركلُ هذا العالم بعنف وأركض في العدم إلى حدّ التعب. سأتعب واتساقط على أرضٍ جديدة، سأنغمس في ترابها وانتظر الشتاء. لعلّني ارتوي وأنمو، فأتحوّل الى زهرة. قد أتحوّل الى شجرة ساكنة، قابعةٌ في مكانها منتظرةً النهاية.

سيصيبني الجفاف واتهالك على العشب منتظرًا حطّابٌ ما ليخطفني وينقلني الى فنائه. سيحملني ويوقد حطامي لينعم بدفء رحيلي. ولن انتهي.

سأصبح رمادًا منثورًا على حافّة سجّادةٍ عتيقة لتنفضني يدا عجوزٍ وحيدة تنشد النظافة والراحة قبل رحيلها. سأتناثر غبارًا يعمّ الأرجاء الى أن تحملني ريح متناحرة فيما بينها، تُبعثرني في كل مكان وسأبقى عالقًا في نفس المكان.

لم تمت

لكل اللحظات في حياتنا معنى؛ بشكل أو بآخر.

لكل الصدمات في حياتنا مغزى؛ بطريقة أو بأخرى.

ولكل مسار في حياتنا هدف، قريبٌ كان أم بعيد.

قد تستقل سيارتك ذات ليلة وفي رأسك خططٌ كثيرة لما تبقى من تلك الليلة. ستستقل سيارتك، تشغل موسيقاك المفضّلة وتمضي في طريقك. سترسم على وجهك ابتسامة رضاً وثقة. أنت في سيارتك؛ لطالما اعتبرتها بيتك، منزلك المتنقل ومصدر راحتك.

في ومضة عين، ستصطدم بشاحنة لعينة، أضواؤها نائمة وسائقها لا يبالي. ستفاجئ بأنّك لا زلت حيًا؛ ستتحسس جسدك لتجد مصدر الألم؛ سترتعب وتنهار ثم ستبذل قصارى جهدك لتحافظ على وعيك، لتجد هاتفك، لتتصل بوالدك، لتتصل بك والدتك وتسألك بصوت يرتجف ويختنق “أنت بخير؟” ستجيب “لا أعرف” وستفقد وعيك مطمئنًا. سأتوقف هنا لأسأل، لماذا استسلمت بعد سماع صوت والدتك؟ هل اطمئنيت برميك الحِمل على كتفي والدتك أم انك أتممت ما عليك فعله وعلى الدنيا الباقي؟

ستعود إلى وعيك شيئًا فشيئا لتسمع صراخًا بعيدًا لغرباء لا تراهم. ستجد ذاك الرجل يصارع باب سيارتك لينتشلك منها. ستشكره بحرارة وتسأله عن اسمه، لتدعو له عندما تنجو، رغم انك واثق انك لن تذكر حرفًا من اسمه بعد لحظات. ستذهب بهدوء إلى ناصية الطريق وتنظر إلى سيارة الإسعاف القادمة لنجدتك. ستحبس دموعك المتزاحمة وتبتسم؛ انت بخير.

ستجد عائلتك قد وصلت قبل الجميع، ستقول لهم انت بخير. ستعانق والدتك وتُريها انك بخير لتطمئن. ستدفع بممرضي الإسعاف بعيدًا، فأنت بخير. سيكتشفون بك اوجاعًا لم تنتبه لها بعد. ستمضي معهم إلى المشفى، ستتعرض لفحوصات طبية عديدة. سيأتي إليك من تحب؛ ستقول لهم مبتسمًا “أنا بخير”.

ستتعافى، تقول الدكتورة. ستُنهي أوراقك وتذهب.

ستستقبل المهنؤون بالسلامة برحابة صدر. ستتجاهل الرؤية المشوشة التي تصيبك وستشرب فنجان قهوة آخر. ستغلق الباب بمودة بعد آخر زائر وتتظاهر بالنعاس، فقط لتقنع والدتك بالذهاب للنوم بدل السهر بجانبك. ستدخل غرفتك، تلقي رأسك على وسادتك وتشعر بالخدر في جسدك. ستعد الثواني قبل انهيارك. ستنهمر دموعك بغزارة. لم تمت. ستتذكر ما حدث. لم تمت. ستتذكر ما حدث مجددًا. لم تمت. فعلًا، لم تمت، لكنك تعلم جيدًا ان شيئًا ما بك قد مات.

ستمضي في حياتك ناقصًا بعضًا من براءتك. ستتعافى ولن يعود إلى الحياة ما مات وسقط منك. ستتأقلم وتفرح مجددًا، وسيبقى كل شيئٍ غير مكتمل. سيرافقك حزنك الدائم على شيء بك قد مات ولم تعرف ما هو بعد.

حدثت في 25 تشرين الثاني 2018.

تفاصيل

أراك، فتتضح لي كل التفاصيل. تفاصيل الكون، تفاصيل الحياة وتفاصيل الأشياء الصغيرة المحيطة بي. أراك، فتتكاثر المعالم ويلمع الكون وترقد الحياة في سكون وهيبة. أراك، فتملأ رؤياك الحياة ألوانًا والسماء نقاءً والعمر سنينًا. أراك فتتضح لي كل التفاصيل.

أحملك في قلبي، في سكون ليلي وقبل غفوتي. وفي غفوتي أحضنك وأتقلّب بك من حلمٍ إلى آخر، فأنت عالمي ومحيطي.

أنت قوّتي، أتسلّق الحبّ بك لأصل إلى السماء، وأنت ضعفي، أهبط بك إلى باطن الأرض ولا أعود. صفوي ونقائي أنت، وما تعكّر من مزاجي والنبضات.

أعتصر من حبك ما يكفيني، وأختزن من وجهك ما يملأ أيامي، فأنت مقتصد في حبّك وأنا كثير الإسراف في عشقك. بليلي أكتفي وبصمتي أذوب وفي غيابك أتوه في لوعةٍ آثمة، تكسرُ من عليائي وتهدمني.

أركض نحوك في شتاء فراق ولا أجدك. أبحث عنك بين قطرات المطر وبقايا الخطوات. أبحث عنك في جيوب الكون ومخابئ الحياة. فأنت الكون لي، ولا كون لي من دونك.

كبيرٌ أنت، أكبرُ من عالمي فلا يحتويك، وأطول من عمري فلا يكفيك وأعمق من أسراري فلا تخفيك. عالَمٌ آخر أنت، فيك حياتي ومدارُك كلماتي، تُشرقُ على صفحاتي حبًّا وتغربُ عنها جفاءً. يا كلَّ ما في كوني أنت، يا كلّ التفاصيلِ أنت، يا كل الكلمات والسكنات أنت. عالمي أنت وفي عالمي تختفي تفاصيلي وتهرب لتبقى أنت.

صديقي الحب

صديقي الحب
سأعود اليوم إلى بيتي خائباً، أغلق على نفسي الباب بحسرة وسأنتظر. سأجثو بعدها على ركبتيّ باكياً، أدفن وجهي في خبايا أصابعي وسأصرخ.

صديقي الحب
انتظرتها اليوم وبقيت منتظرًا. سأنتظرها غداً وسأبقى مترقباً وسأسمع. سأصغي بشغفٍ لهمسات المساء لعلها تحمل لأذنيّ وقع خطواتها وسأهذي.

صديقي الحب
ستُرنح خطواتها ثوابت عقلي، تطغى على دقات قلبي أجراس الخطر وسأختفي. إذا لم اعد غداً من موعدي لا تحزن. كظل يلاحق عبيرها سأرتحل. كحبة ترابٍ على خطاها سأستقر، فتنفيني عنها بمسحة منديل لأعود إليها خائبًا مغمور الكبرياء.

وسأبقى في حضرة من جال في قلبي واحتل نبضي يا صديقي الحب.

تم نشرها سابقًا في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2012.

لحظة ولادة

pexels-photo-556658

دعينا لا نكتفي بما نحن عليه. دعينا نزيد من أنفسنا ونصبح أكثر. فلنختزل من الكون لحظات ونرقد في مساحة ضيّقة، فالكون لكِ ولي الآن.

دعينا نجود بعبارات الحب ونستهلك أنفاس العشق بعجلةٍ وحياة. أما آن لنا أن نسكن بَعضنا البعض ونتوحّد في نبضات قلبينا؟

دعينا نكتب قصص العشق كلها، ننعش ما فات وقدِم ونؤلّف الملاحم والأساطير عن حبٍ سيولد من لقاء أناملنا. دعينا نذوب، نختفي ثم نظهر من جديد بهيئة واحدة وجسدٍ واحد، لا يُعرف فيه أحدنا من الآخر.

دعينا نمشي خطانا ونسير نحو النهاية معًا، فنحن لا حياة لنا من غيرنا معًا.

فلنجعل من رقصنا عبرة وعبارة، فلنجعل منه دليلًا ومنارة. فرقصُنا على ضوء الشموع ماضينا، واندماج ظلّينا معًا حاضرنا كما غفوة الشموع وانكفاء الظلال مستقبلنا.

أرقصي.

أرقصي في قلبي نبضًا.

أرقصي في عروقي شغفًا.

أرقصي في كياني نهمًا.

أرقصي في مداري شمسًا وفِي أُفولي قمرًا.

أرقصي كيفما شئت ومثلما ارتأيت، فأنا أرضك ومسكنك ونهاية مسارك.

عانقي جسدي التائق برويّة، وأغلقي على عينيّ جفنيك، فأنا بك أرى وعلى كتفك أتّكئ. أذيبيني في كأسك روحًا، على شفاهك لذةً وفِي جوفك هُيامًا. ثم احفظي ما تبقّى منّي خمرًا، تُعتّقه سنين العمر أصالةً ورونقًا.

وفِي نهاية مطافنا فلنصمت. ففي صمتنا حياةٌ جديدة، تترقّب البداية، لحظة الولادة بعد النهاية.

ذاكرة تحت المجهر

قد تنسى، لكنك فعلًا لا تنسى.

قد تبهت الذكريات ويبقى أشدّها إيلامًا.

قد تنمحي التفاصيل ويرافقك إحساسك بها.

وقد تجف الدموع ويهطل عليك سيلٌ من الصرخات المكسورة.

ستنجح في اخفاء كل ما تريد، هناك، أمام جدارٍ يحبس خلفه نكتةً مقيتة وضحكة أُرغمتَ على نحرها على أطراف شفتيك. سيكسر ذاك الجدار بلونه الرمادي بريق ألوانك ويحوّل أبهاها إلى عتمة وسيخف وهج ضوءك شيئًا فشيئًا إلى أن ترى ذاك النفق وفي آخره بقعة ضوء باهت.

ستلجأ إلى سريرك، ستركع عند حافته، تضم يداك إلى بعضهما البعض وتُتمتم وتتلو على نفسك ما بقي من ذكريات سعيدة، لعلك تُشفى وتعود الى سابق عهدك.

ستمرُّ الأيام ويمضي الوقت وستخدعك ذاكرتك. وفي غمرة انشغالك ستبحث عن تلك الذكرى الأليمة ولن تجدها. ستسعد وتضحك وترمي بسلاحك بعيدًا وتنتشي بلحظات حياتك الى أن تغدرك ذاكرتك في ليلةٍ سوداء عندما تضيق أنفاسك وترى بقعًا صفراء لم تكن موجودة.

ستدرك أن النهاية قد حانت. لكنك مخطئ. إنها ذكرى لنهاية أوشكت أن تحدث. نهايةٌ انتهت لحظةَ اعتقدتَ أن ذاك النفس هو الأخير لك. نهايةٌ انتهت لحظة شعرتَ بنفخةٍ تعيد إليك الحياة وأنفاسك معها. أتذكُرُ تلك اللحظة؟ تلك النهاية؟

تلك اللحظة ستنتظرك عند سريرك وعلى وسادتك. ستجثم فوق صدرك وتدقّ حرقةً في حلقك. ستلازمك تلك الحرقة أيامًا وليالي طويلة قبل أن تريحك ذاكرتك وتُخلي سبيل بالك لحفنةٍ من الوقت.

ولكن احذر، إبقَ متيقظًا وأبقِ ذاكرتك منشغلةً بجديد التفاصيل، فهي عندما تسأم سترمي بك إلى الوراء وتُعيد إليك أقذر الذكريات وأقساها. وإن حصل ذلك وكان لها ما رمت فابكِ على نفسك وعلى سلامك الراحل. أنت هالكٌ في الدنيا وتائهٌ في زوايا ذكرياتٍ لن تفارقك مجددًا ما حييت.

حينها سأقول لك وداعًا… لقد كنت خير جليس لذكرياتك.

غُربة – ٢

لا تكلّموني ولن أكلّمكم. 

لا تلقوا بالًا لي ولن أكترث لأمركم.

دعونا نفترق ونتخاصم ولا نعاود التواصل مجدّدًا. 

لا أنا أُحبّكم ولا يقنعني زيفُكم. 

إرحلوا، إرحموا وجودي وراحة بالي. 

دعوني ألتزم الصمتَ مع نفسي، وأذرفُ الدمع حزنًا وبلا سبب.

سئمتُ التظاهرَ بالفرح والتفاؤل. سئمت الصراع مع ابتسامتي الباهتة والتوسّل لها لتختار البقاء. 

سئمتُ نفسي ومكوّناتي وصوتي الخافت ووهن جسدي المتضائل.

اشتقتُ الى سوداويّتي وتخاذلي، ففيهما ملاذي وراحة بالي. 

راحةُ البال التي لا يجدُها إلّا من عاد إلى وطنه البائس رغم الظروف. 

سأعود إلى وطني، إلى حزني وليلي الحزين. 

أمنيتي بالاختفاء لم تفارقني، أمنيتي بالزوال شيئًا فشيئًا لم تعد أمنية، بل أصبحت رغبة، حاجة وضرورة مُلحّة. 

لعلّ الكون يحتضنني ويبعثر تفاصيلي في العدم. سأبقى في العدم ولن أعود. 

لن أعود لعالمٍ ترقص فيه الرأفة على مشاعري المنكسرة، ولا لعالم يفرضُ فيه الفرحُ نفسه عليّ وأنا فاقده. 

لا تحاولوا إقناعي بسعادتكم ولا تلقوا عليّ بحكمتكم الفارغة، فأنتم أصحاب أقوالٍ وأفعالكم ناقصة. 

لا تظنّوا أنّي بحاجةٍ لكم ولتعاطفكم الذي لن يزيل من وحدتي شيئًا، بل سيدفعني الى التعمّق والتوغّل بُعدًا. 

إرحلوا عني، إرحلوا عن هذا الكون ودعوني أكون. 

دعوني أكون وأُكوّن بُعدًا لا يوازي حياتكم ومحيطكم ولا يلتقي بخط سعيكم الى البقاء أبدًا.

دعوني أفترق عنكم ودعكم منّي فلستُ أنا منكم وحتمًا لستُ لكم.

*****

غربة ١

بعيدًا عن الجرح أطفو، بين سماءِ حب وأرض بشر.

بعيدًا عن الألم أرسو، بين شاطئ صمتٍ وميناء صُراخ.

بعيدًا عن العمر أستقرّ، بين ظلِّ موتٍ ولمحة حياة. 

أُغادرُ محطّة ذكرياتي في قطارٍ يجري بي بعيدًا نحو الأُفق.

أُسافر في خيالات المستقبل آملًا ومنتظرًا لشيئٍ لا أعرفُ ما هو بعد.

لا أعرف ماذا انتظر من هذا العالم. 

لا أعرفُ إن كنتُ أريدُ المضيَ قُدمًا في حياةٍ ليست من ثوبي ولستُ من ثوبها. 

لا أعرفُ شيئًا حقًا، ولا أريد أن أعرف. 

تصيبني نوبات حياةٍ بين الحياة والآخر، فأبتسم وأنا أعلم أنّ ابتسامتي زائفةٌ كاذبة. 

نوباتٌ تكاد لا تفارقني كما لا يفارق الحزنُ نسياني. 

أراني في بعض الأحيان ساكنًا مقلّدًا الجماد والموت. 

أراني منتصرًا على عالمٍ يركض نحو زيف المشاعر وحبّ البشر. 

ثم أراني مغادرًا، تاركًا خلفي كلّ أكاذيبي ونفاقي لمن سيأتي بعد فيلتهمها ويزهو بها بين البشر. 

بعيدًا عن القلب أُمسي، بين ذكرى على شفاه ودمعة هربت من المُقل. 

بعيدًا عن الجسد أرتحل، بين صوت نحيبٍ ورحمة أطالت السفر. 

بعيدًا عن هذا العالم سأبقى، بين أيّامٍ تُعدّ وفتراتٍ لا تُحتسب. 

*****

خريف

autumn fall forest leaves

بنكهة الحب مذاق قهوتي والشفتين.

بسكون العشق، نبضات قلبي والعينين.

بنكهة الحب يعبق وجودي ويطبق على جوارحي كفخ صيد.

بنكهة الكون أحلامي وبحجم الكون صرخاتي. 

طالت الأيام ولم يمل الحب مني بعد. 

طالت الأيّام ولم أملّ منك بعد.

فلتسقط أوراق الخريف جميعها إن كنتَ بعيدًا. 

ولتزدهر هذه الدنيا وتزداد خصوبةً إن كنت قريبًا. 

فأوراق الخريف لا تسقط وحدها، بل تسقطُ معها قلوب العاشقين أجمعين. 

والدنيا لا تستنير بضوء القمر وحده، بل تضيئ ببريق أعين الناظرين في قلوب الأحياء. 

فلينتظر الصبر النار لتهدأ وليترقّب شهقة شمعةٍ قبل الإنطفاء. فالشمعة عمر، تذوب وتفنى كما القلوب تضمحلّ وتجف بذورها. اكتفيت من كلام العشق، فهو مجرّد كلام. واكتفيتُ من المشاعر والعواطف، فهي وردٌ آيلٌ للسقوط. 

سأتوقّف عن الإنتظار والأمل، وأنغمس كقطعة حلوى في حبٍ لم يعرف أحدٌ متى بدأ ولن يعرف أحدٌ أين ينتهي. سأهمس لقلبي بشغفٍ وحب، سأحضن ما تبقّى منّي من فرحٍ ومجد، وأسكنُ قلب من يحبني ولن أخرج أبدًا. فأنا رغم لوعتي، بالحب بقيت وبه سأمضي، متكئًا على كتف قلب، نحثّ الخطى، تبرقُ الدنيا بلقاء عينانا ويزمجر الرعد بغمرة شفناها.

*****

بين الحب والنعاس

man playing saxophone

لي في صوتك بحَة، تترنّم بها وتطربني.

لي في قلبك طرقة، تنهمر بها علي وتنعشني.

ولي في نبضك ومضة، يطيب لي فيها السكون والزوال.

أزول، أذوب، أندمج واتماهى مع ارتخاء صوتك وتنهّداتك، ثم تقذفني إلى أبعد مدى، لأحلّق في فضائك طيرًا غرّيدًا وطريدةً لملذّاتك. أغرفُ من حياتي البقايا لألقيها أمامك كعصفورةٍ أم وجدت لصغارها طعامًا يزرع في قلبهم حبًّا أكبر من الحُب.

إبحث عنّي في تلك الزوايا، حيث ركنت حياتك وأحذيتك. إخلع مشاعرك عنك وعلّقها مع الثياب وشخصياتك. واستحمَّ بسيلٍ من عاطفةٍ وحُب، ثم ارخِ جسدك المنهك بين ذراعي، لأطيرَ بك فرِحًا، وأزهو بك بين أشعار الحب والقصائد. سأدلّ عليك وأقولُ أنتَ الأجمل.

أنت الأجمل من أبلغ القصائد، أنت الأقرب من أحبّ الكلمات وأنت الأكمل من كل النهايات. أنت البدايات وما قبل المقدِّمات، وأنت المضمون والجوهر في قلبي وفِي هذه الحياة. وما هي الحياة إن لم تبدأ برفّةٍ من جفنيك، وتنهيدةٍ هاربةٍ من شفتيك. ما الحياة إن لم تكن أنت فحواها ومحورها. وما هي الحياة إن لم تنظر إليّ وتقول أنتَ الأجمل.

أنتَ الأجمل وأنا بك أجمل. أنت الأعمق وأنا بك مستقرّ. أنت الأصدقوأنا بك أوضح.

*****